أم القروين تاريخ التحوّل من المسيحية للإسلام في دول الخليج
الدير الذي اثار الجدل مؤخرا في الامارات .

هو الثاني الذي يكتشف في إحدى جزر الإمارات ومن خلال العقود الأخيرة، بعد دير جزيرة صير بني ياس، حيث كانت هذه المنطقة ضمن ما يسمى أديرة “جزراثا”، أي أديرة الجزر، التي تشكل أبرشية نسطورية باسم أبرشية مزونايا تتبع مطرابوليتية “بيث قطرايا”.
تاتي كما هو متوقع، عثر على دير مسيحي جديد في جزيرة السينية التابعة لإمارة أم القيوين؛
وخبر الكشف عن الدير أعلن عنه، أمس الخميس، الشيخ ماجد بن سعود بن راشد المعلا، رئيس دائرة السياحة والآثار بأم القيوين، ما يؤشر إلى أهمية هذا الاكتشاف بالنسبة للإمارة.
وبينت المسوح الأثرية وتحليل الكربون المشع أنه يعود إلى القرن السادس الميلادي، أي قبل ظهور الإسلام وانتشاره في المنطقة بنحو قرن كامل.
ويقع الدير في جزيرة السينية، التي تحمي مستنقعات خور البيضاء في أم القيوين، وهي إمارة تبعد نحو 50 كيلومترا شمال شرق دبي على طول ساحل الخليج العربي.
وفي الجزيرة سلسلة من الحواجز الرملية تخرج منها كأصابع ملتوية. واكتشف علماء الآثار الدير على إحداها في الشمال الشرقي للجزيرة، ويشير مخطط الدير إلى أن المصلين المسيحيين الأوائل كانوا يصلون داخل كنيسة ذات ممر واحد في الدير.
ويبدو أن الغرف داخلها تحتوي على جرن معمودية، بالإضافة إلى فرن لخبز القربان، ومن المحتمل أيضا أن يكون صحن الكنيسة يحتوي على مذبح وقبو لصنع الخمر.

أديرة الجزر
الدير الجديد هو أحد الأديرة التي يرد ذكرها في وثائق الكنيسة السريانية الشرقية (النسطورية) باسم أديرة “جزراثا”، وهي سلسلة من الأديرة بنيت في الجزر الصغيرة المنتشرة على الساحل العربي من الخليج، وتتبع لمطرابوليتية بيث قطرايا التي كانت تندرج تحت سلطتها الكنسية جميع أبرشيات الخليج.
وأقدم ذكر لأديرة الجزر (جزراثا) هذه ورد في المجمع التأسيسي لهذه للكنيسة النسطورية، والمسمى مجمع مار إسحق الجاثليق (399م- 410م)، حيث انعقد في المدائن عام 410 م، ولم يتمكن مندوبو جزر الخليج من الحضور إلى المجمع، لذلك قرر المجمع أن عليهم أن يوقعوا على القوانين المقررة، كما يقول أَدَّي شِير (1867م – 1915م) رئيس مطارنة سعرت في كتابه “تاريخ كلدو وآثور”.
ويذكر المؤرخ سامي سعيد في كتابه “تاريخ الخليج العربي” أن مطران جزيرة سماهيج المدعو بطّي، وهي جزيرة المحرق الحالية في البحرين، قد طرد من المجمع المذكور لعدم موافقته على القوانين التي صدرت عنه، ليحل محله أسقف آخر يدعى إلياس.
مجامع كنسية
وفي مجمع مار يهبلاها الجاثليق (415م- 420م) لسنة 420م شارك عدد من أساقفة الخليج (بيث قطرايا) منهم أسقف دارين، وهي شبه جزيرة تاروت في المملكة العربية السعودية حالياً، وأسقف الجزر (جزراثا)، ومن ضمنها جزيرة السينية التي نحن بصددها.
وتتواصل مشاركة مندوبي أديرة الخليج في المجامع الكنسية النسطورية طوال القرن السادس الميلادي، منها مجمع مار حزقيال الجاثليق (567م- 581م) المنعقد في مدينة المدائن عام 576م، وحزقيال هذا كان أسقفاً على أبرشية الزوابي العربية، وسبق له أن طاف على مدن وأديرة الساحل العربي من الخليج، وقدم تقريراً لكسرى أنوشروان ملك الساسانيين عن وقائع هذه الرحلة، وأهداه لؤلؤة عجيبة جلبها معه من مصائد اللؤلؤ في الخليج، فكرمه الملك وأوصى بانتخابه جاثليقاً عاماً للكنيسة النسطورية، وهو ما كان فعلاً.
وفي هذا المجمع المذكور نقرأ مجموعة من أسماء أساقفة الأبرشيات العربية الخليجية مثل مار سرجيس أسقف سماهيج (المحرق في البحرين)، ومار اسحق عن كرسي هجر والخط، وهما موقعان في شرقي المملكة العربية السعودية حالياً، حيث تعرف الخط القديمة باسم جبيل حالياً، وفيها كنيسة مهمة كشف عنها قبل سنوات.
سؤال حول صيد اللؤلؤ
في مجمع الجاثليق إيشو عياب الأول (582م- 595م)، الذي عقد في المدائن، وجه مار يعقوب وهو أسقف جزيرة دارين (تاروت الحالية)، سؤالاً حول صيد اللؤلؤ، يخص صيادي الخليج، وما عليهم فعله في الخدمة الكنسية. وهذه إشارة مهمة إلى أن مواطني الخليج كانوا مسيحيين أيضاً.
وقد رد الجاثليق إيشوعياب الأول على السؤال بقوله: “أما الغواصون الذين يبحثون عن اللؤلؤ والذين كتبت لنا بشأنهم، فإننا نعلمكم إن كان الأمر منوطاً بإرادتهم فلينقطعوا وليتمسكوا بيوم الأحد، أما إن كانوا مرغمين فأنتم المدراء الحاليون، ضعوا لتصرفهم ما هو نافع لكي يتجنبوا الخطيئة والضرر”.
ظهور دعوة الإسلام
بعد ظهور الإسلام وانتشار دعوته في الخليج، حافظ الكثير من الخلجيين على ديانتهم المسيحية، وظلت أديرتهم عامرة بشهادة المصادر النسطورية، ولكن جزءاً منهم اعتنق الإسلام لأسباب شتى، منها “الطمع في المغانم الدنيوية” كما يقول الجاثليق إيشوعياب الثالث في رسالة إلى مطران راوردشير، حيث كانت أبرشيات الخليج العربية تتبع كنسياً لمطران فارس.
ولعل هذه الإشارة توضح إقبال المقاتلين على الفتوحات بسبب المكاسب المالية.
ويصف الجاثليق إيشوعياب تعامل المسلمين مع أتباع الكنيسة النسطورية بقوله: “هؤلاء المسلمون الذين أعطاهم الله سلطاناً على العالم، هم عندنا كما تعرفون، ليس فقط أنهم ليسوا ضد المسيحيين، ولكنهم يعظمون إيماننا، ويبجلون كهنة وقديسي الرب، ويساعدون الكنائس والأديرة”.
ويشير الجاثليق إلى أهالي مزون (مزونايا)، (وهي منطقة عُمان والإمارات العربية المتحدة الحالية) الذين تخلوا عن إيمانهم المسيحي بقوله: “المزونيون بسببهم تركوا إيمانهم، وهذه كما يقول هؤلاء المزونيون لم يجبرهم المسلمون على ترك إيمانهم، لكن خلافهم على المقتنيات دعاهم لترك إيمانهم، لقد تركوا الإيمان الأبدي، وتمسكوا بخلافهم على الحياة الدنيا، وإيمان كل الشعوب بدماء رقابهم اشتروه ويشترونه، وبه يرثون الحياة الأبدية..”.
مجمع كنسي في الخليج أيام معاوية
ومع ذلك، تفيد الوثائق السريانية الشرقية، بأن المسيحية بقيت قوية في هذه المنطقة حتى العصر الأموي ففي أيام معاوية بن أبي سفيان.
وفي عام 676 م عقد مجمع مار كيوركيس الجاثليق في جزيرة دارين (تاروت الحالية). وجاء في ديباجة ما يلي: “في شهر أيار من السنة 55 لمملكة العرب وهي السنة 676م بعد زيارة الجزر وأماكن أخرى، جئنا إلى الكنيسة المقدسة التي في جزيرة دارين وكنا أنا كوركيس، بنعمة الله جاثليق المشرق، وتوما بالنعمة أسقف مطرانية بيث قطرايا، وإيشوعياب بالنعمة أسقف هذه الجزيرة دارين، وسرجيوس بالنعمة أسقف الطيرهان (برية سامراء العراق)، واسطيفانوس بالنعمة أسقف المزونيين (العمانيين)، وبوسي بالنعمة أسقف هجر (الاحساء)، وشاهين بالنعمة أسقف الخط (الجبيل). وقد سن المجمع 19 قانوناً، قبل أن يغادر الجاثليق المذكور بيث قطرايا (الخليج) متوجهاً إلى ديره في بيت عابي، جالباً معه ستراً للمذبح نسج في جزيرة دارين من قبل سكان هذه الجزيرة”.
من غير المعروف متى انتهت المسيحية في الخليج على وجه التحديد، ولكن حالة الفوضى التي سادت أيام القرامطة (899م- 1077م) قد تكون المسؤولة عن هجرة المسيحيين إلى مناطق أخرى أو تحولهم إلى الإسلام، ولكن المؤكد أن أسماء أبرشيات الخليج لم تظهر بعد ذلك في المجامع الكنسية النسطورية، ولا في تقويم الكنيسة النسطورية الذي يغطي الفترة بين العامين 1000م و1700م.