احتفل المغاربة، يوم الأحد، بعيد الأضحى، وسط حرص مراعاة لتقاليد البلاد في المأكل والملبس، بينما سمح تخفيف قيود وباء كورونا بارتياد أعداد كبيرة من الناس للمساجد والمصليات في مختلف أنحاء المملكة.
ويبدأ يوم العيد لدى المغاربة بالخروج في وقت مبكر من الصباح لأداء صلاة العيد وهم يرتدون ألبسة تقليدية، فيظهر الرجال بالجلابيب، أو ما يعرف بــ”فوقية”، وهي عباءة تكون خفيفة وتتخذ عدة ألوان، وغالبا ما يجري اصطحاب الأطفال ليعيشوا أجواء المناسبة الدينية منذ الصغر.
تؤدي الصلاة في مساجد أو ساحات واسعة تعرف بالمصليات، وفي القرى والبلدات الصغرى، يصطف الناس في بعض الأحيان داخل المساجد حتى يتبادلوا التهاني فيما بينهم لكأنهم عائلة واحدة.
ولا يخلو الاحتفال بعيد الأضحى في المغرب من زخم اجتماعي واقتصادي، إذ تشهد الأسواق رواجا “منقطع النظير” في الأيام التي تسبق العاشر من ذي الحجة، لا سيما أن تجارا كثيرين يغلقون محلاتهم لأسابيع بعد المناسبة الدينية، فيسافرون إلى المدن التي ينحدر منها، وعليه، يستعد كثيرون لـ”حالة انقطاع”.
وتذهب النساء بدورهن إلى المصليات لأجل أداء صلاة العيد، بينما تبقى أخريات في البيوت، من أجل تحضير أطباق الحلوى، لا سيما أن الزوار سيتوافدون طيلة اليوم، وعليه يتوجب الاستعداد بأطباق تحضر فيها حلوى “كعب الغزال” وما جاورها، إلى جانب كؤوس الشاي المغربي المنعنع.
وما إن ينتهي أداء صلاة العيد حتى ينصرف المغاربة إلى ذبح الأضاحي، وأغلبها من الخراف، وتجري هذه العملية في أسطح البيوت، بتعاون بين رجال الأسرة، فيما يلجأ من لا يتقنون هذه المهارة إلى جلب جزارين يجوبون الأحياء في الغالب مقابل عمل يدرُ مالا يوصف بالوفير في هذا اليوم.
زخم المائدة
بمجرد ذبح الخروف، تبدأ عادات المغاربة في الطعام، من خلال تحضير قطع مشوية من كبد الخروف أو ما يسمى بـ”بولفاف”، وهذا الاسم جرى اتخاذه لأن الوجبة تكون ملفوفة بالشحم الرقيق، وهي مرفوقة في الغالب بكؤوس الشاي.
ولأن اللحم حاضر بقوة في احتفالات عيد الأضحى لدى المغاربة، فإن وجبة الغداء بدورها تكون من الخروف، وهي “التقلية” التي تتكون من قطع متنوعة تشمل معدة الخروف (الكرشة) ثم الرئة والكبد والأمعاء، مع إضافة بهارات متنوعة وبصل وزبيب، فيمتزج فيها المذاقان؛ المالح والحلو.
وفي حالات كثيرة، يكتمل “الثالوث” فتكون وجبة العشاء بدورها من الأضحية، من خلال تقديم رؤوس الخراف المطهوة على البخار، وذلك بعد إزالة ما يعلوها من شعر في عملية تعرف بـ”التشواط”، ثم تقدم جاهزة مع الملح والكمون والشاي.
وإذا كانت هذه الوجبات الثلاث تشغل اليوم الأول من العيد، فإن عدة أطباق أخرى تحل في الأيام الموالية مثل “المروزية” وهي طبق من اللحم ذي المذاق الحلو، إلى جانب قطع محمرة من الأضحية، وهلم جرا.
دفء اجتماعي
يحرص المغاربة على تبادل الزيارات في عيد الأضحى، كما تنشط حالة السفر بين المدن، لأن المناسبة الدينية مرادفة للدفء الأسري، لدى أغلب الناس، فلا محيد عن رؤية الأهل والأحباب.
ومن العادات المتوارثة أيضا في المغرب، أن يحمل الشخص الذي يزور حماته بأخذ جزء من الأضحية حتى تكون بمثابة هدية.
وبما أن بعض الناس الذين يعانون عسرا ماديا قد لا يستطيعون شراء الأضحية، فإن مبادرات مدنية وخيرية تنشط قبل التضحية، حتى تكون كافة الأسر قادرة على ذبح أضحيتها، في صباح العيد، حتى لا يكون هناك من يشعر بالنقص.
“الهيضورة”
ومن الطقوس التي يذكرها المغاربة أن جلد الخروف لا يجري رميه ولا بيعه، لأنه كان يتحول إلى ما يشبه سجادة صغيرة للصلاة أو الديكور.
ويجري النظر إلى “الهيضورة” بمثابة حذق من سيدة البيت في المغرب، لأنها تحرص على الاستفادة من كافة المواد المتوافرة، فلا تهدر أي شيء.
ولا تخلو عملية تحويل الجلد إلى سجادة من عمل شاق، إذ يحتاج الأمر إلى تنظيف مكثف، ثم التنشيف، ووضع حجر الشبة في وقت لاحق، ثم تصير جاهزة.
ولأن مياها غزيرة جرت تحت نهر عادات المغاربة، فإن تجهيز “الهيضورة” تراجع بشكل كبير، وسط اكتفاء الأسر بالتصدق بها، أو التبرع بها لحملات مدنية تقوم بجمع الجلود وبيعها لأجل أنشطة خيرية أو المساهمة في بناء مساجد.
منصات العيد
تعج منصات التواصل الاجتماعي في المغرب بصور احتفالات عيد الأضحى، فيطل أغلب المستخدمين بصورهم وهم يرتدون ألبسة تقليدية.
وإذا كان البعض ينشرون صورهم وهم في أتم الأناقة، بينما يرتدون الجلابيب، فإن آخرين يشاركون صورا لهم وهم يقومون بعملية ذبح وسلخ الخروف على أسطح البيوت.
ويجري اغتنام المنصات الاجتماعية أيضا لتبادل التهاني، لا سيما في ظل عدم إمكانية زيارة الجميع، فيما يقول منتقدون إنه لا بديل عن التهاني الأكثر دفئا، لأن العالم الافتراضي لا يكفي لأجل عيش أجواء هذه المناسبة.
ورغم النقاش الذي يثار إزاء هذه الصور، ينظر إليها كثيرون بمثابة لوحة جامعة ومعبرة عن طقوس المغرب وتقاليده العريقة في الاحتفال بعيد الأضحى، رغم التغييرات التي زحفت على المجتمع، دون أن تنال من أصالته.
عيد الاضحى المبارك في المغرب .
يتميز عيد الأضحى في المغرب بطقوس وعادات تختلف من منطقة إلى أخرى، لكن توحدهم تقاليد ومظاهر احتفالية مشتركة، بدءا من شراء كبش العيد من الأسواق الأسبوعية والمحلات التجارية الكبرى، مرورا بطقوس الذبح والشواء (بولفاف) وتقطيع لحم الخروف، نهاية إلى تبادل الزيارات وإحياء الولائم ليلة العيد ويومي ثاني وثالث العيد.
ونظرا للمكانة التي يحتلها عيد الأضحى في قلوب المغاربة يسمونه “العيد الكبير”، لأنه يعتبر مناسبة يفرح فيها الكبار والصغار الميسورون منهم والفقراء، ويفضلون قضاءها بين الأقارب، كما تسود البهجة والسرور خلال الولائم.
طقوس صباح العيد
في صباح يوم العيد، يرتدي الرجال والنساء الزي المغربي التقليدي الشهير عالميا من قبيل “الجلباب” أو “الجبادور” (السلهام)، و”البلغة” (نعل تقليدي) ثم يتوجهون إلى المساجد والمصليات لأداء صلاة العيد.
وعند انتهاء صلاة العيد، يتبادل المصلون التحية والسلام، ثم هناك من يتوجه لبيته من أجل ذبح أضحية العيد، وآخرون يفضلون صلة الرحم وزيارة الأقارب ساعات قبل عملية الذبح.
أما النساء فيقمن بإعداد الأواني البلاستيكية (دلاء) توضع بها أحشاء الذبيحة التي تسمى “الدوارة”، وقبل عملية الذبح تردد بعض النسوة الزغاريد ويصلين على النبي صلى الله عليه وسلم.
شواء بولفاف
وتتحول أسطح العمارات والمنازل إلى مذابح، حيث يصعد الرجال والجزارون من أجل ذبح الأكباش، بينما النساء يشمرن على ساعديهن ويشرعن في تنظيف الذبيحة من أجل إعداد “الشواء” الذي يكون عبارة عن قطبان من الكبد الملفوف بالشحم، وهو المعروف في المغرب بـ”بولفاف”، وهو طبق شواء يتم إعداده في جميع المناطق، ويكون مصحوبا بالشاي المغربي.
ويتم إعداد شواء بولفاف من الكبد والشحم، لكن هناك اختلافا في طريقة إعداده، حيث نجد أغلب نسوة المغرب يقمن بشواء الكبد أولا ثم تقطيعها إلى أجزاء ولفها بالشحم ووضعها في قضيب إما من حديد أو خشب، لكن في مناطق الجنوب نجد النسوة يطهون الكبد (صلقها) ثم بعد ذلك تقطع إلى أجزاء وترش بتوابل مخصصة لذلك من قبيل الكامون والقزبر اليابس والأزير، وبعد ذلك يتم تلفيف الكبد ووضعها في “المجمر” (الموقد)، بينما تتحول الأزقة إلى أفران لشواء رأس ورجل الخروف، المعروف باسم “الكرعين” (الكوارع).
“التقلية” والكسكس بالكتف
وعند الانتهاء من الشواء، تنهمك النساء في إعداد طبق “التقلية”، وهي من أحشاء الخروف (الكرشة) و”الرئة” وقليل من الشحم، ويقدم هذا الطبق عصر يوم العيد.
وفي المساء، يتم إعداد الكسكس بالكتف، وغالبا ما يختلف عن الكسكس العادي حيث يتم طهيه دون استعمال الخضار، ويقدم هذا الطبق في إناء كبير صنع من الطين “القصرية”، ويلتف حولها أفراد الأسرة وبعض الأقارب في إطار تبادل الزيارات.
إذا كانت أسر تعد الكسكس بالكتف، فإن سكان جنوب المغرب يطبخون الكسكس باستعمال رأس الخروف ويسمى “بوهروس”، ويتطلب إعداده وضعه في إناء ويظل ليلة كاملة على “المجمر” (الموقد التقليدي)، ولا يأكل إلا في وجبة غذاء يوم ثاني العيد.
يوم ثاني العيد
في يوم ثاني عيد الأضحى، يستيقظ أفراد الأسرة باكرا، وذلك من أجل تقطيع وتجزيء الذبيحة ووضعها في أكياس بلاستيكية وإدخالها إلى “الثلاجة” (المبردة)، وأغلب العائلات تفضل الإفطار برأس الخروف “مبخر”.
وفي حدود الحادية عشر صباحا، يتم إعداد قضبان الشواء من اللحم. وفي وجبة العشاء، تحضر النساء طبقا باللحم المحمر المرفوق بفاكهة البرقوق المجفف والبيض المصلوق واللوز.
القديد.. الجنوبي هو الأفضل
ومن بين الطقوس كذلك، إعداد لحم “القديد”، “لحم مجفف”، وهو لحم يقطع وتستعمل فيه بهارات وتوابل معينة، ثم ينضاف إليها الخل البلدي، ويتم نشره في حبال على سطوح المنازل أو النوافذ.
وفي هذا، قالت عائشة الصحراوية، (80 سنة) تتحدر من جنوب البلد، في حديث مع “موقع سكاي نيوز عربية”، إن أفضل “قديد” في المغرب هو “قديد الجنوب”، لأنه تستعمل فيه بهارات مغايرة مع تلك المعمول بها في باقي المناطق.
وأوضحت عائشة أن من أهم مميزات هذا النوع هو استعمال “خل بلدي”، الذي لا يمكن أن تعده المرأة الصحراوية حتى تتوضأ وتكون طاهرا، وتشرع في إعداده ثلاثة أسابيع قبل العيد، وهي تردد “بسم الله الرحمن الرحيم” ، “اللهم صلي وسلم على سيدنا محمد”، “ياربي بارك”، “وأدخل علينا العيد بالصحة والسلامة”.
وبخصوص أهم التوابل التي تضاف إلى “الخل البلدي”، تشرح السيدة نفسها، ثلاثة “تمرات”، “الحامض”، “الشيح”، “اليازير”، “الملح المعدني”، “عصاة سيدنا موسى”، و”السنبل” و”القرنفل” و”السانوج” و”الكوزة الصحراوية” و”ورق الزيتون”، و”ورق الحناء” و”الحبق”.
واسترسلت المتحدثة ذاتها، أنه بعد الانتهاء من إعداد الخل البلدي يتم وضعه في إناء من الطين، وتركه في مكان مظلم ولا يفتح إلا يوم ثاني العيد، ويستعمل كثيرا في القديد و”الكرداس” وهو عبارة عن كريات تصنع من “كرش الخروف” و بعض من أحشائه.
أما الحاجة مينة من مدينة وجدة (شرق البلد) فقالت في اتصال مع “سكاي نيوز عربية”، إن نساء هذه المنطقة يحرصن أولا على تزيين الأضحية بالحناء، وفي معتقدهم أن ذلك فأل خير على أفراد العائلة وحفظهم من كل شر، بالإضافة إلى تنظيف الكبش جيدا قبل النحر.
وأضافت الحاجة مينة أن سكان عاصمة الشرق (وجدة) ينفردون أيضا بطقوس مميزة وذلك بإعداد وجبات تعد ماركة مسجلة باسم المنطقة وهي أكلة “البكبوكة”، عبارة عن معدة الخروف محشوة بالأرز أو ما شابه.
وتابعت المتحدثة نفسها، أنه رغم أن سكان الجنوب متميزون في إعداد “القديد”، إلا أن سكان الشرق أيضا يعدونه لكن بتوابل مغايرة وقليلة.
تبادل الزيارات
ويتميز عيد الأضحى في المغرب أيضا بتبادل الزيارات بين الأصدقاء والأهل، وإحياء الحفلات والأعراس في ثالث يوم العيد خاصة في الأرياف والقرى، وتحضير ولائم الطعام بأطباق مختلفة أشهرها “طجين اللحم المحمر بفاكهة البرقوق الأسود” .
على صعيد آخر، قالت عزيزة مخشاني، باحثة في علم الاجتماع والثرات، في حديث مع موقع “سكاي نيوز عربية”، إن المغرب يشهد تنوعا في الطقوس والتقاليد خلال عيد الأضحى بين منطقة وأخرى، لكن يجمعهم قاسم مشترك من قبيل شواء” بولفاف” و”الطجين” اللذين وصلا إلى العالمية”.
هذا وقد اعتبرت مخشاني هذا الاختلاف في العادات “مهما جدا في المغرب لأنه يزيده إشعاعا على الصعيد العالمي، ويجعله بلدا متنوعا يشجع السياح على زيارته”.
وترى الخبيرة في علم الاجتماع، أنه “لوحظ أخيرا تخلي بعض الأسر في المدن الكبرى عن تلك العادات”، مشددة على ضرورة الحفاظ عليها باعتبارها موروثا ثقافيا.