يصادف اليوم ذكرى مرور 15 عاماً على دخول قوات الغزو لاحتلال العراق.
تقول صحيفة الراي الكويتية انه في يناير 2003 – رن الهاتف الداخلي بمكتب الفريق محمد عبدالعزيز البدر – رئيس لجنة متابعة القرارات الأمنية بمجلس الوزراء، وما إن تحدث مجيباً للهاتف فإذا به رئيس الأركان العامة – ومكالمة موجزة للغاية «بوبدر.. غداً سيقابلك الفريق الركن ديفيد مكرنن باللباس المدني في مجلس الوزراء – قاعة اجتماعات لجنة متابعة القرارات الأمنية – موضوع سري للغاية ومهم – وختمها كونوا مستعدين لساعة الصفر- تم اتخاذ قرار التحالف بإزالة صدام حسين عن حكم العراق.
استدعى الفريق البدر – ضباطه على عجل – وتم الاجتماع القصير وبعبارة واحدة (حدث هام خلال الأشهر القادمة – كونوا مستعدين ) صبيحة اليوم التالي دخلت مجلس الوزراء مجموعة أميركية ترتدي اللباس الاعتيادي وبنطالونات الجينز وبحماية من جهتين (أفراد حماية خاصة) بالسلاح توحي بأهمية من يقومون بحراستهم يرافقهم ضابط ارتباط كويتي من هيئة العمليات والخطط في رئاسة الأركان العامة، إنه الجنرال ديفيد مكرنن قائد القوات الأرضية الأميركية والمكلف بقيادة الفرق العسكرية للتحالف لإزالة صدام حسين من قيادة العراق وتحريرها.
جرى اللقاء بين الفريقين وبعد التحية المقدمة، تحدث الجنرال مكرنن مباشرة مخاطباً الفريق البدر: نعرفك جيداً،، ونعرف إمكاناتكم وقدراتكم،، ونعرف من هم الضباط تحت قيادتكم لذا وقع الاختيار عليكم لمساندتنا ودعمنا لهجومنا المباغت في القريب العاجل ومطلوب منكم الآتي:-
أولا: فتح الثغرات في الموانع والخنادق على طول الجبهة التي يتراوح طولها 200 كيلومتر من مركز أم قصر الحدودي إلى المثلث السعودي – الكويتي – العراقي.
ثانياً: فتح الممرات الأمنة في نظام الإنذار الكهربائي بصورة سرية للغاية وضمن خطة خدعة يشرف عليها العقيد الركن محمد علي الفارسي والعميد الركن سعود عبدالعزيز الخترش والمقاول المكلف بصيانة النظام الكهربائي.
ثالثا: تسهيل عبور النسق الأول للهجوم والنسق الثاني، ومن ثم إغلاق كافة الثغرات والممرات وعددها 35 ثغرة وممر خلال أسبوع واحد من الهجوم والإبقاء فقط على 4 ممرات وثغرات لا غير وهي:-
– مركز أم قصر الحدودي.
– مركز العبدلي الحدودي.
– مركز الرتقة الحدودي.
– مركز خباري العوازم الحدودي.
على أن يتم الإشراف والتنسيق لهذا الجزء من الخطة اللواء الركن عبدالرحمن العثمان معاون هيئة العمليات والخطط
رابعاً: إبقاء سكان الجنوب العراقي في مقار أعمالهم وإبقاء الأهالي والمواطنيين العراقيين في بيوتهم وتوفير الدعم اللوجستي من مياه وأغذية وأدوية ومستلزمات مهمة (لمنع النزوح الجماعي للكويت).
خامساً: تجهيز المعسكرات الخاصة بالتحالف في الكويت والعراق بالبنية التحتية، باستخدام معدات وآليات وإمكانيات اللجنة ودعمها ومساندتها خلال 6 شهور مقبلة.
وختم بالقول:«لا وقت لدينا والعمل شاق ونحتاج تضافر كافة الجهود، ولكم منا كل الدعم والمساندة والحماية».
وحين هم بالمغادرة، خاطبة الفريق محمد عبدالعزيز البدر بجملة واحدة«لكم منا الوعد أولاً والتنفيذ ثانياً والإبداع ثالثاً والاجتماع بيننا (سري للغاية)».
استكمل الفريق البدر الاجتماع مع الضباط وقرر البدء فوراً العمل بخطة تنفيذية صنفت بدرجة (سري للغاية) على أن يتم التنسيق المباشر مع هيئة العمليات والخطط برئاسة الأركان العامة للجيش بقيادة اللواء عبدالرحمن العثمان وعلى أن تكون«ساعة الصفر»يوماً من الأيام في شهر مارس 2003، وبمساندة المهندسيين العسكريين وباللباس المدني.
وهكذا بدأت الاستعدادات وقسمت جبهة الحرب لقطاعين بين العقيد ركن محمد علي الفارسي من مركز أم قصر الحدودي إلى خباري العوازم والعميد سعود الخترش إلى السالمي مع توزيع ضباط هندسة والميدان متخفين باللباس المدني..
وتحركت معدات وآليات وامكانات اللجنة شمالاً وبدأ العد التنازلي لتنفيذ الخطة بسرية عالية جداً وحزم وأطرافها فقط، رئاسة الأركان العامة ممثلة بهيئة العمليات والخطط، وهندسة الميدان ولجنة متابعة القرارات الأمنية وممثلي قوات التحالف فقط.
اللباس مدني والخطة محكمة والمعنيون بالخطة معدودون على أطراف الأصابع.. الفريق محمد البدر، اللواء عبدالرحمن العثمان معاون هيئة العمليات للخطط والعمليات، واللواء بديع الرقم آمر هندسة الجيش والعقيد الركن محمد علي الفارسي والعميد الركن سعود الخترش من لجنة متابعة القرارات الأمنية، ومن التحالف الجنرال ديفيد مكرنن القائد العام للقوات الأرضية للتحالف وضباطه للتخطيط والعمليات.
كلفت اللجنة الإعداد لخطة الخدعة بالمحاور التالية:
– خدعة مراقبي الأمم المتحدة باستخدام لباس شركة نفط الكويت (KOC) وإقناعهم بأن المعدات تخص مقاولاً منفذاً لأعمال النفط يرغب بسحب منصات الحفر العملاقة من المنطقة منزوعة السلاح إلى خارج المنطقة بسبب نذر الحرب الوشيكة ولغة التهديد المتبادلة بين صدام حسين وقوات التحالف ( وهكذا باشرت المعدات العملاقة للجنة بتمهيد مسرح العمليات للتحالف وفتح الثغرات في الساتر الترابي الخلفي ودفن الخندق وعلى طول جبهة 200 كيلومتر).
– بلعت قوات الأمم المتحدة الطعم ومررت الرسالة للأمم المتحدة – وعارض ممثل العراق لدى الأمم المتحدة بأن حجم المعدات والإمكانات تفوق قدرة مقاول ومتعهد – وأبلغته الأمم المتحدة بأنه لا دليل على تجاوزات للمنطقة المنزوعة.
– دخلت المعدات والآليات والأسطول البري للجنة وبمعاونه هندسة الميدان للمنطقة وباشرت تنفيذ الخطة بلباس (KOC).
– تدافع ضباط الجيش من هندسة الميدان متطوعين باللباس المدني للمشاركة والاستبسال في تنفيذ خطة الخدعة، عشرات بل مئات الضباط باللباس المدني دخلوا المنطقة المنزوعة وهندسة الميدان كانت الوسام والسند والعون، وكان اللواء عبدالرحمن العثمان هو حلقة الوصل والتنسيق المباشر مع الجنرال مكرنن لبلورة تفاصيل الخطة العسكرية وآلية عبور قوات التحالف من خلال الثغرات والممرات.
– وخلال شهر واحد باشرت اللجنة المرحلة الثانية من خطة فتح الثغرات في نظام الإنذار الكهربائي الحدودي، وكان التحدي كيفية إقناع مراقبي الأمم المتحدة (UN) بهذا العمل والذي قد يعد تجاوزاً واختراقاً لقوانين المنطقة المنزوعة السلاح، لاسيما أن طبول الحرب قد دقت فعلاً… وتحركت القنوات الفضائية الدولية العالمية للكويت وتكدست طلبات تصاريح دخول المنطقة المنزوعة بالمئات ورفضت جميعها لخطورة الموقف حفاظاً على الأرواح، وتصاعد المشهد الميداني بحشد من مئات الآلاف من قوات التحالف عبر المطارات والموانئ والطرق البرية، وتصاعدت لغة التهديد والوعيد وتيقنت دول المنطقة بأن الحرب وشيكة ولم يبق إلا ساعة الصفر.
– استمرت خطة الخدعة بنفس السيناريو – المنصات العملاقة للحفر في شمال الكويت سوف تسحب من المناطق النفطية الشمالية خلال أيام معدودة وتدعو الحاجة لفتح الثغرات الواسعة في نظام الإنذار الكهربائي على جناح السرعة كسباً للوقت بسبب نذر الحرب الوشيكة. ولا سيطرة على مقاولي شركة نفط الكويت (KOC) العالميين، فقد تم استدعاؤهم من بلدانهم فوراً.
– وتتابع الاستنكار من ممثل العراق لدى الأمم المتحدة واستمر رد الكويت (لا تجاوز، لا تعدٍ على المنطقة المنزوعة) بل مجرد تجهيزات وفتح طرق وممرات لكافة المقاولين في شمال الكويت وهو حق مشروع لحفظ الأنفس والأرواح.
– وفتحت الثغرات ونفذت المرحلة الثانية من خطة الخدعة، وكانت المفاجأة يوم 8 مارس 2003، عندما تسلل مراسلو شبكة (CNN) التلفزيونية على الساتر الترابي الخلفي للمنطقة المنزوعة مستخدمين كاميرات فائقة الدقة في التصوير، وأعلنت الشبكة أن القائمين على فتح الثغرات في النظام الكهربائي الحدودي هم عاملون محترفون، وبأن الثغرات ليست للمعدات النفطية لأن عرضها يفوق 50 مترا، وهي مؤشر لدخول وعبور معدات وآليات و دبابات ومدرعات عسكرية وتمت إذاعة الخبر يوم 8 مارس 2003.
– وتعقد المشهد الميداني باكتشاف خطة الخدعة وهي المرحلة الأخيرة، وكان لزاماً على العقيد الركن محمد علي الفارسي وبلباس شركة نفط الكويت (KOC) مقابلة مراسلي (CNN) وتزويدهم بهويات شركة نفط الكويت وكل الإثباتات بأنه مدير لشركة عيسى للمعدات والآليات وهو مكلف لتسهيل انتقال المقاولين العالميين من المنطقة الحدودية النفطية إلى داخل الكويت، واستمرت الخدعة، وفتحت كافة الثغرات ولم يبق إلا المرحلة الأخيرة (الساتر الترابي الأمامي المحاذي للعلامات الحدودية والخندق الفاصل بين الحدود العراقية والكويتية).
– ماذا تم في المرحلة الأخيرة الحاسمة يوم 10 مارس 2003؟ كيف تم الاندفاع والتقدم على مسافة 100 متر فقط من القوات العراقية؟ كيف تتم حماية كوادر اللجنة الأمنية والجيش؟ كيف يتم قبول المخاطرة برد فعل عراقي عسكري مسلح ضد القيام بفتح الثغرات أمام القوات العراقية مباشرة؟ من يحمي أبناء الفريق البدر وأبناء المؤسسة العسكرية إن استخدمت القوات العراقية المدفعية والاسلحة الرشاشة والقذائف؟
واتخذ القرار من صاحب القرار الفريق البدر: لا اندفاع للأمام من دون حماية مدرعة أميركية وغطاء جوي محكم – قرار لا رجوع فيه.
وتم إبلاغ القرار للجنرال الأميركي ديفيد مكرنن، فقال للفريق البدر«وعدتم فوفيتم فأبدعتم وأنا لكم نصير، وانطلقت قوات الاستطلاع المدرعة الأميركية تقود معدات اللجنة واسطولها لتنتشر على كامل الجبهة في الميدان وتحمي عناصر وكوادر اللجنة الأمنية، والوقت المتوافر هو 100 ساعة عمل فقط تمهيداً للهجوم على أن تكون ساعة الصفر أحد أيام 17 أو 18 أو 19 فلا مجال لعودة ولا مجال للانسحاب ولا مجال للتراجع».
باشرت اللجنة الخطة بأسطول ضخم جداً على كامل الجبهة بلغ 100 بلدوزر و100 لودر وأكثر من 150 معدة وآلية مختلفة تحت حماية مدرعة أميركية لتعمل 24 ساعة بلا توقف، وبدأ العد التنازلي للهجوم البري واكتملت الاستعدادات لانطلاق الهجوم من محاور عدة، وكانت المفاجأة ليلة (17/18) برد فعل عسكري حازم باستخدام نيران المدفعية الثقيلة والهاونات والرشاشات الثقيلة على الثغرات والممرات المحاذية للحدود، وكان رد فعل قوات التحالف الرد العنيف بالطائرات المروحية والمدرعات والرشاشات، وبات مشهد حرب فعلية على طول الجبهة وسقطت القذائف كالمطر الغزير على آليات ومعدات اللجنة، وكان الفريق البدر ينتقل بسيارته على طول الجبهة الحدودية يخشى على أبنائه ويقوي من عزائمهم ويبلغهم بأن الصبر والنصر ساعة.
أعلنت ساعة الصفر ليلة 18/19 مارس 2003، بدخول قوات التحالف من الثغرات والممرات بأكثر من 150 ألف جندي وانطلقت إلى بغداد بأقصى سرعة ممكنة مع قصف عنيف جداً لكافة البنية العسكرية والميدانية العراقية.
لم تقف اللجنة وساندت دخول قوات التحالف على كافة المحاور حتى اكتمال دخول اللوجستيك والذخائر والمعدات وبناء القدرات الإدارية للتحالف في العراق تمهيداً لإعلان سقوط بغداد في الأول من مايو 2003.
ونفذت اللجنة بقية واجباتها وثبتت السكان المحليين في مناطقهم وحالت دون دخول النازحين للبلاد وبقيت في جنوب العراق تدير كافة المرافق بالاستعانة بكوادرها والكوادر العراقية من موظفي الصحة والكهرباء والماء والأشغال والبلديات ونجحت 100في المئة وانسحبت رسمياً من العراق في الأول من يوليو 2003.