مؤلف نمساوي يكتب عن سجون العراق
«في متاهات العراق» للكاتب النمساويّ موريس إيرمان… الحقيقة وحدها هي ملك التاريخ!
حاوره من فيينا طلال مرتضى
إنه الخيال الذي يرتدي عباءة الحقيقة الكليّة، الحقيقة الضائعة… «في متاهات العراق» رواية النمساوي موريس إيرمان التي وقّعها قبل أيام في فيينا، وسط استهجان لما تطرّقت إليه ونقلت من تصاوير فادحة كانت مغيّبة بفعل السياسة عن ذهنيّة المواطن الغربيّ عموماً والنمساويّ خصوصاً.
«البناء» وفي لقاء خاص مع كاتبها حاولتْ جاهدة فكّ بعض خيوط الحبكة، من خلال منظومة أسئلة ذات صلة بالرواية وحول ما تطرّقت إليه.
لقد جسّد بطل روايتك «يونس» حكاية الكاتب موريس في الفترة التي عملت بها كموظف في المنظمة الدوليّة للإغاثة. مَن هو «يونس» ومَن هو موريس وما هي أوجه الشبه بينهما؟
ـ يونس هو الرجل الذي أراد موريس أن يُريه لأي شخص نمساويّ أو أوروبي، هو الذي عاش حقيقة «يونس» الكاملة واقعاً وخيالاً وأوجه التشابه بينهما. فهو الخيط الرفيع بيني وبينه كشخصية روائية مصنوعة من واقع مُتَخَيل يجسّد الجزء الأكبر من الحقيقة التي عاينتها وعشتها.
مما لا شكّ فيه أنك كتبت روايتك من قلب الحدث. فهل كنت قادراً ذات مرة لتكون شاهداً ملكاً عمّا جرى في تلك الحقبة؟
ـ لا. لأنني أنا أعمل في هذا الوقت لدى الصليب الأحمر الدولي والحديث في مهامها أمر ممنوع.. هي قصة الثقة وذهاب الثقة يضيّع العمل معها. لقد كان عملي التواصل مع النازحين وأتيحت لي زيارة سجون في العراق ولديّ الكثير من المعلومات، لكنها تخصّ العمل ولا تخصّني. لهذا ذهبت نحو كتابة الرواية والتي هي عمل أدبي ولم أكتب كتاباً وثائقياً ليكون مرجعاً. وكل ما هو في الرواية هو قصة رواية كعمل أدبي، لكنه يسير تماماً على خطّ الحقيقة.. لأن الأحداث مرّت على ألسنة الناس في الرواية أي أنها منقولة، لكن هي تفاصيل دقيقة لأمور كثيرة جرت مثلاً عندما اقتحمت «داعش» الموصل أو وصلت عند أبواب بغداد.
هل استطاع موريس الكاتب تسجيل أحاسيس موريس عامل الإغاثة؟
ـ بالتأكيد الأمر مختلف تماماً من موضع إلى موضع.. أنا في كلتا الحالتين الكاتب والموظف، كنت غريباً في بلد أجنبي.. لقد عشت حياة متباينة في كل مرحلة، خصوصاً عندما كنت أقترب على سبيل المثال من شيخ نافذ وقويّ في العراق أو من قائد عسكري أو من إنسان عادي.. كان هناك إحساس مختلف ومتفاوت، لأن رؤية كل واحد منهم مختلفة وتنعكس عليّ في العمل الإغاثي والروائي أيضاً.
كيف كان صدى القارئ النمساوي في تلقي روايتك؟
ـ هدفي من كتابة الرواية هو شرح ما حدث هناك وهو ما لا يمكن قبوله من طرف عربيّ. عندما تحدثت عن الرواية في أمسية فيينا في «المنتدى المشرقي النمساوي» أعتقد بأنك رأيت ردود فعل النمساويّين حيال ما سمعوا واستهجنوا.. هنا فقط يعرفون شيئاً واحداً أو طرفاً مظلماً من الحقيقة والذي يقول: هناك حرب قائمة وبالتأكيد هناك عنف ووضع مزرٍ.. كان صادماً ما قرأوه بالفعل.
في النهاية قلت: «قرّر يونس العودة إلى العراق، فثمة أجوبة لم تكتمل بعد». لماذا اخترت له العودة؟
ـ نعم لقد عاد مجدداً. لقد أُجبر على العودة إلى هناك. وتقول الرواية: «بعد وصول يونس إلى أوروبا صار يشاهد في الحلم صوراً مرعبة ومخيفة جداً، وذلك بعد مقتل زملائه في العمل هناك. كان جزء من الحقيقة مفقوداً. وهذا مفتاح أولي تجسّد في أرواح كانت تدهم منامي».
هل تحدّثنا عمّا هو غير مكتمل في الرواية؟
ـ نعم أشياء كثيرة لم تكتمل.. بقيت معلّقة.. وهي سلطتي ككاتب على النصّ التي تسمح بترك فراغات يمكن العودة إليها في ما بعد لبناء أفكار أخرى وكبيرة. وفي الحقيقة كل الصور غير كاملة حتى في نهاية الرواية. الأم الذي يسوق القارئ بالسؤال إلى مدى أهمية مهمة «يونس» في مساعدة الناس.