ماذا تعرف عن مرض التصلب الجانبي الضموري (ALS) . ؟
و ماقصة المرض الذي يصيب الخلايا العصبية الحركية . ؟
ليست الأورام الخبيثة أخطر الأمراض. فهناك مرض التصلب الجانبي الضموري المميت، الذي يصيب الخلايا العصبية الحركية ولا يعرف لماذا وفي أي ظروف يصاب الإنسان به.
يقول الدكتور أليكسي فاسيليف، أخصائي طب الأعصاب، إن المشكلة الأساسية التي تعيق علاج ومكافحة هذا المرض الغامض، هي عدم معرفة سببه إلى الآن. وفقا لأحد الافتراضات، هو حدوث خلل في الجسم على المستوى الجيني، يؤدي إلى الإصابة بالتصلب الجانبي الضموري، ويمكن أن ينتقل المرض وراثيا. ولكن لم يتمكن الخبراء من إثبات صحة هذا الافتراض. وكل ما هو معروف حاليا هي الأعراض التي تسمح للأطباء بتشخيص الإصابة بالمرض.
ويقول، “هناك عوامل من خلالها يمكننا التنبؤ بمسار المرض. وهذا المرض يصيب عادة الأشخاص الذين أعمارهم 45-60 عاما، ولكن هناك من أصيب بالمرض في العشرين من العمر. والمرضى الشباب يعيشون فترة أطول من الأشخاص الذين يصابون بالمرض في عمر 60-70 عاما. كما أن شكل المرض له أهمية كبيرة. فأحيانا يبدأ المرض أسفل الظهر ومن ثم ينتقل إلى الساقين، ما يؤدي إلى خلل في مشي المصاب. بعد ذلك “يرتفع” المرض ليشمل اليدين والعضلات التنفسية. تشير الإحصائيات إلى أن هؤلاء المرضى يعيشيون فترة طويلة. وأحيانا في مرحلة ما، يمكن أن يتوقف المرض تلقائيا لأسباب غير معروفة. صحيح هذه حالات نادرة ولكنها مسجلة”.
ويضيف، الضعف العضلي والضمور والارتعاش هي علامات تشير إلى موت الخلايا العصبية في الدماغ. وبالطبع يشعر المصاب بالانزعاج والألم. ولكنه لا يرتبط مباشرة بمرض التصلب الجانبي الضموري، بل بسبب التشنجات والتوتر العضلي أو ضغط الجلد. وأحد الأعراض في المرحلة الأولية، قد يبدأ بتقلص العضلات تحت الجلد في مجموعة عضلية معينة، ثم ينتشر إلى المجموعات الأخرى. وأحيانا يضحك المصاب لا إراديا أو تظهر عنده مشاعر سلبية حادة مثل القلق والغضب.
والمسألة المؤلمة أن هذا المرض غير قابل للعلاج. وكل ما يمكن أن يقوم به الطبيب بعد تشخيص المرض هو اختيار أدوية تبطئ موت الخلايا العصبية، ليتمكن المصاب من خدمة نفسه بنفسه.
ويقول فاسيليف، “كان يعتقد سابقا، أن المريض يجب ألا يعلم بمرضه المميت. ولكن هذا غير صحيح. لأنه من المفيد والمهم أن يعلم المريض بمرضه وماذا سيحصل له مستقبلا. بالطبع كل هذا يجب أن يجري تدريجيا وليس بصورة فجائية”.
نظرة عامة
التصلب الجانبي الضموري هو مرض متقدم في الجهاز العصبي يؤثر على الخلايا العصبية في المخ والحبل النخاعي مسببًا فقدان التحكم في العضلات.
التصلب الجانبي الضموري يُسمَّى غالبا مرض لو جيهريج بعد لاعب البيسبول الذي شُخِّص بالمرض. لا يعلم الخبراء سبب الإصابة بمرض التصلب الجانبي الضموري. بعض الحالات موروثة.
التصلب الجانبي الضموري غالبا ما يبدأ بنفضان العضلات وضعف في الأطراف أو حديث مُشوَّش. أخيرًا، يؤثر مرض التصلب الجانبي الضموري على التحكم في العضلات اللازمة للحركة، والتحدث، والأكل، والتنفس. لا يوجد علاج لهذا المرض الفتَّاك.
الأعراض
تختلف مؤشرات وأعراض التصلُّب الجانبي الضموري اختلافًا كبيرًا من شخص لآخر، تبعًا للخلايا العصبية المصابة بالمرض. وهو يبدأ بصفة عامة بضعف في العضلات ينتشر ويزداد سوءًا بمرور الوقت. قد تتضمن المؤشرات والأعراض ما يلي:
صعوبة في المشي أو أداء الأنشطة اليومية العادية
التعثُّر والسقوط
ضعف في الساقين أو القدمين أو الكاحلين
ضعف اليدين أو صعوبة تحريكهما
تداخُل الكلام أو مشكلات في البلغ
تشنُّج في العضلات ووَخْز في الذراعين والكتفين واللسان
البكاء أو الضحك أو التثاؤُب غير الملائم للموقف
تغيُّرات معرفية وسلوكية
تبدأ الإصابة بالتصلُّب الجانبي الضموري عادة في اليدين أو القدمين أو الأطراف، ثم تنتشر إلى أجزاء أخرى من الجسم. ومع تفاقم حدة المرض وتدمير الخلايا العصبية، تضعف العضلات. ويُؤثِّر هذا في النهاية على المضغ والبلع والتحدُّث والتنفُّس.
لا يشعر الأشخاص بشكل عام بألم خلال المراحل المبكِّرة من مرض التصلُّب الجانبي الضموري، كما لا يَشيع الشعور بألم خلال المراحل المتأخِّرة. لا يُؤَثِّر التصلُّب الجانبي الضموري عادةً على التحكُّم في المثانة أو الحواس.
الأسباب
يُؤثِّر التصلُّب الجانبي الضموري على الخلايا العصبية التي تتحكَّم في حركات العضلات الإرادية مثل المشي والتحدُّث (العصبون الحركي). يُسبِّب التصلُّب الجانبي الضموري تَلَفًا تدريجيًّا للعصبونات الحركية، ومن ثم تموت. تمتدُّ العصبونات الحركية من المخ إلى الحبل النخاعي إلى العضلات عبر جميع أجزاء الجسم. عندما تتلف العصبونات الحركية، فإنها تتوقَّف عن إرسال الرسائل إلى العضلات، وبالتالي تعجز العضلات عن أداء وظيفتها.
نسبة 5 إلى 10 في المئة من الحالات المُصابة بالتصلُّب الجانبي الضموري ترجع إلى أسباب وراثية. ولكن لا يُعرَف السبب في باقي الحالات.
يُواصل الباحثون دراسة الأسباب المحتمَلة للتصلُّب الجانبي الضموري. تُركِّز معظم النظريات على التداخُل المُعقَّد بين العوامل الوراثية والعوامل البيئية.
عوامل الخطر
تشمل عوامل الخطر الأساسية لمرض التصلب الجانبي الضموري ما يلي:
الوراثة. من خمسة إلى عشرة بالمئة من الأشخاص المصابين بمرض التصلب الجانبي الضموري قد ورثوا المرض من العائلة (التصلب الجانبي الضموري العائلي). وفي مُعظم الأشخاص المصابين بالتصلب الجانبي الضموري العائلي، هناك احتمالية إصابة أطفالهم بالمرض بنسبة 50%.
العمر. تزداد خطورة الإصابة بمرض التصلب الجانبي الضموري بتقدُّم العمر، وهو أكثر شيوعًا بين عمر 40 عامًا ومنتصف العقد السادس من العمر.
الجنس. يُصاب الرجال، قبل عمر 65 عامًا بمرض التصلب الجانبي الضموري بنسبة أكثر قليلًا عن النساء. في حين يتلاشى هذا الاختلاف القائم على الجنس بعد عمر 70 عامًا.
الخصائص الوراثية. وجدت بعض الدراسات التي تفحص الجينوم البشري بالكامل العديد من أوجه التشابه في الاختلافات الوراثية للأشخاص المصابين بمرض التصلب الجانبي الضموري العائلي وبعض الأشخاص المصابين بمرض التصلب الجانبي الضموري غير الوراثي. قد تجعل تلك الاختلافات الوراثية الأشخاص أكثر عرضة للإصابة بمرض التصلب الجانبي الضموري.
قد تُحفز العوامل البيئية، كالواردة أدناه، الإصابة بمرض التصلب الجانبي الضموري.
التدخين. التدخين هو عامل الخطورة البيئي الوحيد المُحتمل للإصابة بمرض التصلب الجانبي الضموري. ويبدو أن هذا الخطر يصبح أكبر لدى النساء، خاصةً بعد انقطاع الطمث.
التعرض للسموم البيئية. تشير بعض الأدلة إلى أن التعرُّض للرصاص أو مواد أخرى في بيئة العمل أو المنزل قد يكون مرتبطًا بالإصابة بمرض التصلب الجانبي الضموري. لقد أُجريت العديد من الدراسات، ولكن لم يرتبط عامل واحد أو مادة كيميائية بصورةٍ ثابتة بحدوث مرض التصلب الجانبي الضموري.
الخدمة العسكرية. تُشير الدراسات إلى زيادة الخطر لدى الأشخاص الذين التحقوا بالجيش للإصابة بمرض التصلب الجانبي الضموري. ولكن لم يتضح بعد ما العامل المُحفز في الخدمة العسكرية الذي قد يؤدي إلى الإصابة بمرض التصلب الجانبي الضموري. قد يشمل ذلك التعرُّض لمعادن أو مواد كيميائية مُعينة، أو الإصابات الرضحية، أو العدوى الفيروسية، أو الإجهاد الشديد.
المضاعفات
أثناء تفاقم المرض، يتسبب التصلب الجانبي الضموري ALS في حدوث مضاعفات، مثل:
مشكلات التنفس
يؤدي التصلب الجانبي الضموري بمرور الوقت إلى شلل العضلات التي تستخدمها في التنفس. وقد تحتاج إلى جهاز لمساعدتك على التنفس ليلًا، يشبه الجهاز الذي قد يرتديه الشخص المصاب بانقطاع النفس النومي. ولمساعدتك على التنفس ليلًا على سبيل المثال، قد تُوضَع على جهاز الضغط الموجب ثنائي المستوى في مجرى التنفس (BiPAP). ويدعم هذا النوع من الأجهزة عملية التنفس من خلال ارتداء قناع على الأنف أو الفم أو كليهما.
يختار بعض الأشخاص المصابون بمرض التصلب الجانبي الضموري المتقدم الخضوع لثقب القصبة الهوائية (فغر الرغامى) — وهو ثقب يتم عمله جراحيًّا في مقدمة الرقبة يؤدي إلى الرُّغامَى (القصبة الهوائية) — للاستخدام الدائم لجهاز التنفس الصناعي الذي يُحدث انتفاخ وانكماش الرئة.
الفشل التنفسي هو أكثر الأسباب المؤدية إلى الوفاة شيوعًا بين مرضى بالتصلّب الجانبي الضموري. وتحدث الوفاة في المتوسط خلال 3 أو 5 سنوات من بدء ظهور الأعراض. وعلى الرغم من ذلك، يعيش بعض مرضى التصلّب الجانبي الضموري لمدة 10 سنوات أخرى أو أكثر.
مشكلات في التحدث
أغلب الأشخاص المصابين بالتصلب الجانبي الضموري ALS يُصابون بصعوبة في الحديث. ويبدأ هذا عادةً بتداخل بسيط في الكلمات في بعض الأحيان، ولكنه يصبح أكثر حدة. ثم يصبح الحديث في النهاية من الصعب على الآخرين فهمه، ويعتمد الأشخاص المصابون بـ ALS غالبًا على تقنيات تواصل أخرى.
مشكلات في تناول الطعام
يمكن أن يُصاب الأشخاص المصابون بالتصلب الجانبي الضموري ALS بسوء التغذية والجفاف بسبب تلف العضلات التي تتحكم بالبلع. كما تتزايد مخاطر دخول الطعام أو السوائل أو اللعاب إلى الرئتين، ما قد يتسبب في الإصابة بالالتهاب الرئوي. يمكن أن يقلل أنبوب الإطعام هذه المخاطر ويضمن التغذية وشرب الماء بطريقة مناسبة.
الخَرَف
يتعرَّض بعض المصابين بالتصلُّب الجانبي الضموري لمشكلات في الذاكرة واتخاذ القرارات، وتشخص إصابة بعضهم في النهاية على أنها شكل من أشكال الخَرَف يُطْلَق عليه اسم الخَرَف الجبهي الصدغي.
ماعلاقة الذكاء الاصطناعي بعلاج طلاسم التصلب الجانبي الضموري (ALS) . ؟
لنقرا تجرية المريض “ياسر” الذي يعد بتصور أن التقلصات والتشنجات التي أصابت يده وذراعه يمكن أن تغير مجرى حياته، فقد عزا الرياضي السابق الذي تخطى الأربعين عامًا بقليل، هذه التقلصات إلى الإجهاد الذهني والمجهود البدني الذي كان يبذله، وعندما طلب مشورة بعض أصدقائه في المجال الطبي، نصحوه بإجراء مجموعة من التحاليل والحصول على أقراص الكالسيوم وفيتامين ب12 وفيتامين د.
يقول “ياسر” الذي رفض ذكر اسمه كاملًا، في تصريحات لـ”للعلم”: لم تُظهر نتائج التحاليل أي مشكلة، على الرغم من أن الأعراض بدأت تزداد، وأصبحت المهمات البسيطة مثل إغلاق أزرار القميص أو فتح المعلبات أمرًا يستعصي عليَّ فعله، امتدت الأعراض إلى الطرف السفلي، لتصبح المحافظة على الاتزان الحركي أمرًا بالغ الصعوبة، والمشي عبئًا ثقيلًا، وإمساك الأشياء باليد معضلة، وفي النهاية، وبعد التردد على عدة أطباء، شخصت إصابتي بـ”التصلب الجانبي الضموري”، وهو مرض كنت أسمع عنه للمرة الأولى في حياتي.
التصلب الجانبي الضموري
يصيب التصلب الجانبي الضموري الأعصاب الخاصة بالحركة بشكل تدريجي، ويؤثر على الخلايا العصبية في المخ والنخاع الشوكي، متسببًا في فقدان المريض التحكم في العضلات، ويبدأ المرض بتشنجات العضلات الموجودة في أحد الأطراف، ثم ينتشر ليصيب باقي عضلات الأطراف ثم العضلات اللازمة للحركة والأكل والتنفس، ويُعد عالِم الفيزياء النظرية البريطاني الشهير «ستيفن هوكينج» من أشهر الشخصيات البارزة التي أُصيبت بالمرض الذي لازمه نحو 55 عامًا، ويسمى المرض أيضًا بمرض “لو جيريج” نسبةً إلى لاعب البيسبول الأمريكي الذي شُخصت إصابته به في عام 1939 وأدى إلى وفاته في عام 1941 عن عمر يناهز 37 عامًا.
ولحسن الحظ، فإنه ليس مرضًا شائعًا، فهو يصيب حوالي ستة أشخاص من كل مئة ألف، لكن لسوء الحظ، لا يعرف الأطباء لماذا يحدث.
لكن دراسة حديثة نشرتها دورية “نيورون” (Neuron)، أفادت نتائجها بأننا قد نكون على موعد مع فهم إضافي للعوامل الوراثية التى ترتبط بحدوث التصلب الجانبي الضموري؛ إذ تعرف الباحثون على أحد الجينات ذات الصلة بحدوث سُمِّية في الخلايا العصبية، وبالتالي حدوث التطورات المرتبطة بالمرض.
وتشير الدراسة إلى أنه “بالرغم من أن العوامل الوراثية تتسبب في 52% من حالات المرض، إلا أن هذا الجانب ليس مفهومًا بشكل كبير”.
عمل الفريق البحثي على فهم آليات حدوث هذا المرض القاتل من خلال الاستعانة بـ”الذكاء الاصطناعي”، وصمموا تقنيةً أطلقوا عليها (RefMap)، ووفق الدراسة، تستهدف هذه التقنية التعرف على المتغيرات الجينية المختلفة في مناطق الجينوم النشطة (سواء تلك التي تحتوي على شفرة لإنتاج البروتين أو التي لا تحتوي عليها)، وتجري هذه العملية على نطاق واسع في مناطق الجينوم من أجل تحديد احتماليات وجود ارتباط بين مرض معين من جهة، والمتغيرات الموجودة في كل منطقة من جهة أخرى.
واعتمد الباحثون على منهجية “دراسات الارتباط على مستوى الجينوم بالكامل” (GWAS)، التي تتيح للعلماء البحث في آلاف الجينومات الفردية، لاكتشاف المتغيرات الجينية المرتبطة بسمات محددة، جرى ربط هذه النتائج مع نتائج علم الجينوم الوظيفي من أجل التعرف على الجينات التي يمكن أن تمثل سببًا في حدوث هذا المرض.
تحليل البيانات الجينية
شملت عينة البحث 5594 مصابًا بمرض التصلب الجانبي الضموري، و2238 شخصًا سليمًا مثلوا “مجموعة ضابطة”، جرى تحليل الجينوم الخاص بهم جميعًا، ضمت عينة البحث مشاركين من عدة جنسيات مختلفة أمريكية وأوروبية.
في البداية تعرف الباحثون على 690 جينًا في الخلايا العصبية الناتجة من الخلايا الجذعية المستحثة متعددة القدرات -نوع من الخلايا يتم إنتاجه من الخلايا الجسدية البالغة التي أعيدت برمجتها وراثيًّا إلى حالة تشبه الخلايا الجذعية الجنينية؛ إذ تستطيع هذه الخلايا إنتاج أنواع مختلفة من الخلايا- وارتبطت هذه الجينات بحدوث هذا المرض، وتسببت إجمالًا في ارتفاع احتمالات وراثة المرض إلى خمسة أضعاف.
وأجرى الباحثون المزيد من تحليل البيانات الجينية ودراسة وظائف هذه الجينات في الخلايا العصبية للمرضى والأصحاء، مما ساعدهم في التعرف على أحد أهم الجينات المتهمة بحدوث المرض، المعروف باسم KANK1، ويرتبط هذا الجين بحدوث العديد من الأمراض الدماغية كمرض الشلل الدماغي الرباعي التشنجي وحالات اضطراب التوحد.
باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، وجد الباحثون أن هذا الجين يرتبط بمرض التصلب الجانبي الضموري، ومن أجل تأكيد هذه النتائج، أحدثَ الباحثون طفرةً في جين KANK1 في الخلايا العصبية السليمة، وهو ما أدى إلى حدوث تسمم في الخلايا العصبية، وأدى –أيضًا- إلى ظهور بروتين TDP-43 وتجمُّعه في الخلايا العصبية، ويمثل وجود هذا البروتين إحدى العلامات المميزة في الإصابة بالعديد من الأمراض العصبية، ومنها التصلب الجانبي الضموري؛ ففي الأحوال الطبيعية يؤدي هذا البروتين دورًا في ثبات الحمض النووي الريبوزي وترجمته، لكنه يتراكم بشكل غير طبيعي في حالة حدوث هذه الأمراض.
تقنية جديدة
يؤكد مايكل سنايدر -أستاذ علم الوراثة بمركز علم الجينوم والطب الشخصي بكلية الطب في جامعة ستانفورد، والباحث الرئيسي في الدراسة- أنه “على الرغم من معرفتنا المؤكدة بدور الجينات في الإصابة بمرض التصلب الجانبي الضموري، لكن القليل من هذه الجينات جرى التعرُّف عليه، وفي هذا البحث استخدمنا نهجًا جديدًا لم يُتَّبع من قبل، وهي تقنيات تعلُّم الآلة من خلال تصميم تقنية أطلقنا عليها RefMap، لتحليل نتائج دراسات الارتباط على مستوى الجينوم في الخلايا العصبية من أجل التعرف على الجينات التي ترتبط بحدوث المرض”.
يقول “سنايدر” في تصريحات لـ”للعلم”: تعرفنا على 690 جينًا ارتبطت بحدوث المرض، وهو ما يمثل 50 ضعفًا زيادة في عدد الجينات التي جرى التعرُّف عليها من قبل، بعدها ركزنا على جين KANK1 لفهم دوره في حدوث السمية التي تحدث في الخلايا العصبية، ونتائجنا أضافت كثيرًا إلى فهمنا للمرض؛ إذ كان يُعتقد أن تراكُم بروتين TDP-43 في الخلايا العصبية يسبب بذاته التصلب الجانبي الضموري، وتبيَّن لنا أن التغيرات تحدث قبل تراكم هذا البروتين، وبعبارة أخرى، فإن تراكم هذا البروتين يُعد نتيجةً وليس سببًا، ويمكنني القول بأن نتائجنا تفسر الجانب الجيني لحدوث هذا المرض، وتفسر أيضًا طريقة حدوث التلف في الخلايا العصبية الخاصة بالعضلات.
تعلُّم الآلة
تُستخدم تقنيات تعلم الآلة لتحليل قدر كبير من البيانات بطريقة آلية، ويعتمد هذا الفرع من الذكاء الصناعي على قدرة الأنظمة الصناعية المختلفة على التعلم من البيانات بشكل يشبه الذكاء البشري؛ إذ تتعرف على أنماط معينة في هذه البيانات، وتصل إلى نتائج وقرارات دون تدخل بشري.
وتطورت تقنيات تعلُّم الآلة تطورًا كبيرًا في مجال الدراسات الجينية خلال السنوات الماضية، حتى أصبح في إمكانها تحليل البيانات الضخمة الناتجة من دراسات الارتباط الموسعة على مستوى الجينوم؛ ففي هذه الدراسات يتم مسح كامل الجينوم الخاص بعدد كبير من الأشخاص المختلفين والبحث عن دلالات جينية يمكن استخدامها للتنبؤ بوجود مرضٍ ما.
وتظهر فائدة هذه الدراسات بوجه خاص في فهم الأمراض المعقدة التي لا تحدث نتيجة تغيُّر جين واحد فقط، وعندما يتم التعرُّف على جين أو مجموعة من الجينات أو الدلالات الجينية، يتم استخدامها لتشخيص هذا المرض أو علاجه، وقد دمجت الدراسة الحالية دراسات الارتباط الموسعة على مستوى الجينوم مع نتائج علم الجينوم الوظيفي، والأخير لا يدرس حروف الجينات أو تركيبها، لكنه يهتم بوظائفها وتفاعلها معًا في العمليات البيولوجية المختلفة.
عوامل متنوعة
توضح الدراسة أن “جين KANK1 يؤدي دورًا بارزًا في تنظيم تركيب هيكل الخلايا وحركتها؛ إذ يعمل على منع هجرة هذه الخلايا، ويرتبط هذا الجين ببعض الأمراض العصبية مثل الشلل الدماغي وبعض أنواع أورام الأعصاب الطرفية، لكن هذه هي المرة الأولى التي يشار إلى دوره في التصلب الجانبي الضموري”.
وسبق أن أجرى الفريق البحثي الدولي ذاته دراسة في عام 2018 نشرتها دورية “نيورون” كجزء من الجهود المبذولة للتعرف على خريطة الجينات المرتبطة بالمرض، وباستخدام دراسات الارتباط على مستوى الجينوم بالكامل، وتقنيات قراءة حروف الإكسوم (وهو جزء الجينوم الذي يُترجَم إلى بروتين)، قارن الباحثون الجينوم الخاص بـ20 ألفًا و806 من المرضى و59 ألفًا و804 من غير المرضى، ومن خلال هذه المقارنة، تعرفوا على جين آخر يدعى KIF5A باعتباره جينًا جديدًا يرتبط بحدوث هذا المرض.
كما أفادت دراسة نشرتها دورية “جاما نيورول” أن “الوراثة والعوامل الجينية تؤدي دورًا بارزًا في احتمالات الإصابة بهذا المرض، وأن العوامل الوراثية ترتبط بحدوث حوالي نصف حالات المرض؛ إذ تعرف الباحثون على وجود متغير جيني يُعرف بـC9orf72 يُعدُّ سببًا مهمًّا للوراثة في هذا المرض، كما وجدوا أن أقارب الدرجة الأولى للمصابين بالمرض لديهم احتمالات أعلى للإصابة به حتى في عدم وجود جين محدد تم التعرف عليه بالمقارنة بالأشخاص الذين لا يحملون التاريخ المرضي العائلي نفسه”.
فقدان تدريجي
من جهتها، توضح الشيماء صبحي -مدرس الفسيولوجيا الإكلينيكية للجهاز العصبي بكلية الطب بجامعة القاهرة- أن “التصلب الجانبي الضموري يمثل أحد الأمراض العصبية التنكسية، وهي الأمراض التي تتسم بحدوث فقدان تدريجي ومتزايد لبِنية الخلايا العصبية أو وظيفتها، وهو ما قد يؤدي في النهاية إلى موت الخلايا العصبية”.
تقول “صبحي” في تصريحات لـ”للعلم”: يصيب هذا المرض الخلايا العصبية المغذية للعضلات بوجه خاص، ويتسبب في أعراض تختلف وفق مكان الأعصاب والعضلات التي تأثرت بالمرض، وعادةً ما يبدأ المرض بضعف مجموعة من العضلات في أحد أجزاء الجسم، ثم يتطور لتزداد حدته وينتشر في أجزاء أخرى، حتى يؤثر على عضلات الكلام والمضغ والبلع.
وتضيف: لا نعرف الكثير عن هذا المرض القاتل، لكن متوسط فترة بقاء المرضى على قيد الحياة تتراوح ما بين 20 إلى 48 شهرًا من تاريخ الإصابة به، ويمكن لنسبة تتراوح بين 10 و20% فقط من المرضى البقاء على قيد الحياة لمدة 10 سنوات بعد تشخيص المرض، ومن المؤسف أيضًا أنه لا يوجد علاج محدد يمكنه إيقاف هذه التغيرات، لذا فإن أي إضافة يمكن أن تساعد على فهم هذا المرض أو تمثل هدفًا علاجيًّا تُعَدُّ خطوة ذات قيمة كبيرة.
بدورها، تقول مها عماد -مدرس الطب الطبيعي وأمراض الروماتيزم والتأهيل بكلية الطب في جامعة قناة السويس- في تصريحات لـ”للعلم”: تقدم الدراسة معلومات جديدة عن دور الوراثة في التصلب الجانبي الضموري، وتمثل خطوةً على طريق فهم كيفية انتقال المرض من جيل إلى جيل، وهذه الخطوة قد تتبعها خطوات أخرى للتعرف على احتمالية إصابة الأشخاص بالمرض، وتشخيصه بشكل مبكر، وتوفير فرص علاجية مبكرة تؤدي إلى نتائج أفضل.
خطوة على الطريق
وتمثل النتائج التي توصلت إليها الدراسة مجرد خطوة على الطريق، وفق أليسدير مكنيل، استشاري علم الوراثة بمستشفى شيفيلد للأطفال، ومدرس علم الوراثة العصبية بجامعة شيفيلد بالمملكة المتحدة، وغير المشارك في الدراسة، مضيفًا أن “الباحثين استخدموا طريقة جديدة ومتميزة من تقنيات تعلم الآلة من أجل تحليل البيانات الجينية المعقدة المرتبطة بالمرض”.
يقول “مكنيل” في تصريحات لـ”للعلم”: ساعدت هذه التقنيات في التعرف على العديد من الجينات الجديدة التي تؤدي دورًا في هذا المرض، وتجنبت البيانات غير المفيدة، كما أكدت نتائج سابقة تتعلق بكيفية حدوث المرض، وأسهمت في التعرف أيضًا على جين جديد يمكنه أن يكون هدفًا لمزيد من الدراسة، ويمكن استخدامه مستقبلًا في التشخيص الجيني للمرض، لكن على الرغم من قيمة هذه النتائج، إلا أنه ليس من المؤكد أن تسهم هذه النتائج في تحديد أهداف علاجية جديدة، ويحتاج الأمر إلى مزيد من الدراسة للتحقق من هذه الفائدة.
بدورها، تقول “عماد”: تمثل دراسات الارتباط الموسعة على مستوى الجينوم أساسًا للطب الدقيق أو الشخصي، الذي يحصل فيه المريض على العلاج وفقًا لجيناته الخاصة، ومع نمو هذه الدراسات واستخدام التقنيات المختلفة لتحليل البيانات الناتجة عنها، قد نتمكن من التعرُّف على المرضى المعرَّضين لخطر الإصابة بالتصلب الجانبي الضموري والتدخل من أجل حسم المعركة مبكرًا دون خسائر ضخمة.
ويعلق سنايدر: هذا هو ما نهدف إليه، ولن تتوقف جهودنا عند التعرف على جين KANK1 كجين مرتبط بالمرض؛ إذ نخطط للتعرف على جينات أخرى، ومن خلال هذه الأبحاث نهدف إلى بناء نماذج يمكنها توقُّع حدوث التصلب الجانبي الضموري، وليس هذا فحسب، بل نخطط أيضًا لاستخدام الأسلوب ذاته مع أمراض عصبية أخرى من أجل فهم أسبابها.
هل كنت تعاني من نقص #فيتامين_B9 أم لا ؟